الحكاية رقم ((1))
يروق لي اللعب في الساحة بين القبور والتكية . مثل جميع الأطفال أرنو إلى أشجار التوت بحديقة التكية . أوراقها الخضر هي ينابيع![]() |
حكايات حارتنا - نجيب محفوظ |
وأحيانا يلوح في الحديقة ذو لحية مرسلة وعباءة فضفاضة وطاقية مزركشة فنهتف كلنا.
- ((يا درويش.. إن شاء الله تعيش)).
ولكنه يمضي متأملا الأرض المعشوشبة أو يتمهل عند جدول ماء ، ثم لا يلبث أن يختفي وراء الباب الداخلي.
- من هؤلاء الرجال يا أبي؟
- إنهم رجال الله..
ثم بنبرة ذات معنى :
- ملعون من يكدر صفوهم!
- ولكن قلبي مولع بالتوت وحده.
وينهكني اللعب ذات يوم فأجلس على الأرض لأستريح ثم أغفو . أستيقظ فأجدني وحيدا في الساحة ، حتى الشمس توارت وراء السور العتيق ، ونسائم الربيع تهبط مشبعة بأنفاس الأصيل . على أن أمرق من القبو إلى الحارة قبل أن يدلهم الظلام . وأنهض متوثبا ولكن إحساسا خفيا يساورني بأنني غير وحيد ، وأنني أهيم في مجال جاذبية لطيف ، وأن ثمة نظرة رحيبة تستقر على قلبي ، فأنظر ناحية التكية . هناك تحت شجرة التوت الوسيطة يقف رجل . درويش ولكنه ليس كالدراويش الذين رأيت من قبل. طاعن في الكبر ، مديد في الطول ، وجهه بحيرة من نور مشع . عباءته خضراء وعمامته الطويلة بيضاء ، وفخامته فوق كل تصور وخيال . ومن شدة حملقتي في أثمل بنوره فيملأ منظره الكون . وخاطر طيب يقول لي إنه صاحب المكان وولي الأمر ، وأنه ودود بخلاف الآخرين...