في تلك الساعة من صباح اليوم الأول من رمضان ، لم تكن الشمس الزاحفة ببطء قد وصلت بعد إلى الجسم النحيل المتكوم أسفل العتبة ، في ذلك الفناء الطيني الناعم ، حيثما يزال الكلب الذي سهر الليل كله فوق السطح يبحث عن مكان لأخذ قسط من الراحة
، تعاكسه الدجاجات المضطربة ، والمعزة التي تأخرت العجوز في إخراجها ، فراحت تدور حول نفسها بعصبية.
كان الفرسيوي متكئا إلى عتبة غرفته يراقب هذا المشهد العصبي ليوم صقيل من شهر أبريل ، ووصله في تلك اللحظة عبير حاد ، هو مزيج من شذى نباتي وإفراز حيواني ، فمد قدمه اليمنى الثقيلة لتلك البقعة التي وصلتها الشمس حتى سرت في جسده قشعريرة الدفء الذي مس بنانه فقط ، وقال في نفسه : هذا هو عبير الربيع ، فصل اللقاح والاضطراب والشهوة. وابتسم وهو يفكر في الشبان الذين ستلفحهم الشمس بعد قليل ، وهم ينقلون أحزمة العشب الفواحة أو ينكفئون على الأرض الرطبة ينقشون فيها حول نبتة الفول أو البطاطا ، مساحات ظليلة ، كأنهم يقومون بكشف نعومة جسدها . واتسعت ابتسامته حتى ارتسمت ضحكته الدرداء الأليفة ، لأن هذا اليوم المشمس هو أيضا أول يوم في رمضان ، ولن يستطيع الشبان أن يستسلموا لالتذاذاتهم الدفينة ، وهم يحزون العشب فتنبعث من حركة المنجل رائحة فرجية لاسعة ، أو يقودون الأفراس والأبقار ، فتلفحهم همهماتها ، وارتعاشاتها العصبية . استسلم الفرسيوي لتذكره اللذيذ ، فما لبث أن رأى نفسه في نفس الهضبة القشيبة في تلك القرية التي نزل إليها في بداية القرن مهاجرون طائشون من قبائل تشظت بالمجاعات والحروب...
جنوب الروح |
كان الفرسيوي متكئا إلى عتبة غرفته يراقب هذا المشهد العصبي ليوم صقيل من شهر أبريل ، ووصله في تلك اللحظة عبير حاد ، هو مزيج من شذى نباتي وإفراز حيواني ، فمد قدمه اليمنى الثقيلة لتلك البقعة التي وصلتها الشمس حتى سرت في جسده قشعريرة الدفء الذي مس بنانه فقط ، وقال في نفسه : هذا هو عبير الربيع ، فصل اللقاح والاضطراب والشهوة. وابتسم وهو يفكر في الشبان الذين ستلفحهم الشمس بعد قليل ، وهم ينقلون أحزمة العشب الفواحة أو ينكفئون على الأرض الرطبة ينقشون فيها حول نبتة الفول أو البطاطا ، مساحات ظليلة ، كأنهم يقومون بكشف نعومة جسدها . واتسعت ابتسامته حتى ارتسمت ضحكته الدرداء الأليفة ، لأن هذا اليوم المشمس هو أيضا أول يوم في رمضان ، ولن يستطيع الشبان أن يستسلموا لالتذاذاتهم الدفينة ، وهم يحزون العشب فتنبعث من حركة المنجل رائحة فرجية لاسعة ، أو يقودون الأفراس والأبقار ، فتلفحهم همهماتها ، وارتعاشاتها العصبية . استسلم الفرسيوي لتذكره اللذيذ ، فما لبث أن رأى نفسه في نفس الهضبة القشيبة في تلك القرية التي نزل إليها في بداية القرن مهاجرون طائشون من قبائل تشظت بالمجاعات والحروب...