الحي اللاتيني - سهيل ادريس

    كانت صورته المتخيلة تملأ أفكاره ومشاعره ، فتضرب دون كل ما سواها غشاوة كثيفة . لقد مر بشوارع مرسيليا ، ولكنه لم يرها. وقضى فيها يومه كاملا ، ولكنه لم يحسها . وأنفق أربع عشرة ساعة في القطار ((محطة)) ليون عما قليل ، سيكون في الحي اللاتيني ،
    تحميل رواية الحي اللاتيني لسهيل إدريس
    الحي اللاتيني
    سيتحقق الحلم المستحيل. بعد ردح قصير ، ستبدأ الحياة التي ما انفك يعيشها في الخيال ، منذ أن تهيأت له أسباب السفر إلى باريس.
    - إنكم الآن في الحي اللاتيني.
    فعرته انتفاضة لصوت سائق السيارة التي أقلته ورفيقيه من ((محطة ليون)). أنحن حقا في الحي؟ أي فرق إذن؟ حين كان يذكر أمامه اسم ((الحي اللاتيني)) كانت تنفر إلى مخيلته صور حي من أحياء بيروت القديمة ، تقوم فيه بيوت متواضعة ، أغلب الظن أنها من  الخشب ، ما دام ساكنوها طلابا فقراء قدموا إلى العاصمة الفرنسية من مختلف أنحاء الدنيا طلبا للعلم والمعرفة. أما الآن ، فليس هو شعور الاطمئنان الذي يغمر إذ تمر بمخيلته هذه الصور التي اخترعها خياله . شوارع فسيحة ليس في بلاده ، ولا في الرق كله ، مثلها جمالا ونظافة وانتظاما ، وأبنية فخمة مرتفعة كأحدث الأبنية الكبرى التي بدأت منذ حين تنتصب في الشوارع الرئيسية من عاصمة وطنه . ينبغي أن تكون هذه بلادا أسطوؤية العظمة ، حتى يستحق الطلاب فيها حيا كالحي اللاتيني.
    وإذن ، فإن عليه أن ينظم مخيلته من جديد ، أن يطبع الصور بهذا الواقع الذي يفسد عليه عالما كان قد رتب شؤونه واطمأن إليه . تلك هي غلطته الكبرى! حسك هذا الذي يريد أن يتنبأ بكل شيء ، وأن يأخذ العدة لكل أمر. دع شؤونك مرة تجري في أعنة المفاجأة ، وحطم هذه القوانين الصارمة التي تحيط بها نفسك دون جدوى.

    ضع تعليق

سياسة الخصوصية | اتصل بنا | copyright 2013 © 2014 مجرة الكتب