قال الأصمعي : رأيت أعرابيا ومعه بني له صغير ممسك بفم قربة ، وقد خاف أن تغلبه القربة ، فصاح : يا أبت أدرك فاها ، غلبني فوها ، لا طاقة لي بفيها...!!

كيف تكون فصيحا

كلما قرأت هذا المشهد االقصير تعجبت ، هذا بني صغير ، ومن صغره لا يستطيع أن يتحكم في قربة ، وهو مدعور يصيح في أبيه أن ينجده.
لا أظن أبدا أنه فكر في ضبط ((فو)) وهذا حاله ، بل هي السليقة وحدها ، فالتكلف لا يكون في هذا الموضع ، وكأنه رضع اللغة العربية مع اللبن ، أما عنا - ونحن مثقفون وكبار- فنستحي أن نتحدث بجملة عربية خوفا من الخطأ ، وترى الرجل واسع الثقافة في كل العلوم تقريبا من سياسة وتجارة وزراعة وطب...إلا اللغة العربية.
وربما استمعت إلى مسؤول كبير...مدير قطاع أو وزير أو سفير ، فلا يمتعك حديثه ، بل يغلب على كلامه العبارات السطحية والكلام المباشر.
ولقد كان من أهم شروط الإمارة حسن الخطابة ، وكان الشاعر يعد من السادة والساسة حتى ولو كان مولى.
ذلك أن صاحب اللغة صاحب عمق فكري وبعد إدراكي ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ((اعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين ، تأثيرا قويا بينا ، ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق))... وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ((تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة)). وقال أبو بكر رضي الله عنه : ((لأن أقرأفأسقط أحب إلي من أن أقرأ فألحن)).
وهكذا كره السلف رحمهم الله اللحن واستحبوا اللحن فاستقامت معانيهم  باستقامة مبانيهم.
وفهمك لنص ما ينقص بقدر الكلمات التي لا تعرف معناها بدقة ، وإنسان يقرأ قطعة لا يدري معنى خمس كلمات فيها فليس كمن يعلم معناها كلها وما بها من أغراض بلاغية وإيحاءات كل لفظة وظلالها على الموضوع...لدا تحتم علينا تعلم اللغة العربية الفصيحة حتى نفهم شرعنا.

المحتويات