فصوص الحكم - محيي الدين بن عربي

    لا مبالغة في القول بأن كتاب ((الفصوص)) أعظم مؤلفات ابن عربي كلها قدرا وأعمقها غورا وأبعدها أثرا في تشكيل العقيدة الصوفية في عصره وفي الأجيال التالية التي تلته. فقد قرر مذهب وحدة الوجود في صورته النهائية ووضع له مصطلحا صوفيا كاملا استمده
    من كل مصدر وسعه أن يستمد منه ، كالقرآن  والحديث وعلم الكلام والفلسفة المشائية والفلسفة الأفلاطونية الحديثة الغنوصية المسيحية ، والرواقية وفلسفة فيلون اليهودي ، كما انتفع بمصطلحات الإسماعيلية الباطنية والقرامطة وإخوان الصفا ومتصوفة الإسلام المتقدمين عليه . ولكنه صبغ هذه المصطلحات جميعها بصبغته الخاصة وأعطى لكل منها معنى جديدا يتفق مع روح مذهبه العام في وحدة الوجود ، فخلف بذلك ثروة لفظية في فلسفة التصوف كانت عدة متصوفة وحدة الوجود في العالم الإسلامي عدة قرون ، وحولها حامت جميع المعاني التي طرقها كتابهم . وما من صوفي إسلامي أتى بعد ابن عربي ، شاعرا كان أم غير شاعر ، عربيا كان أم فارسيا أم تركيا ، إلا تأثر بمصطلحه ، ونطق عن وحي كلمه . ولست أذهب إلى أن هذا المصطلح الفلسفي الصوفي الكامل الذي وضع فيه المؤلف كتابا خاصا ، موجود برمته في الفصوص ، فإن فتوحاته المكية التي هي أعظم موسوعة في التصوف في اللغة العربية غني حافل بهذه المصطلحات ، ولكن الفصوص حوى أمهاتها وأضفى عليها من الدقة العلمية والنضج الفكري ما لا نجده في كتاب آخر.

    ضع تعليق

سياسة الخصوصية | اتصل بنا | copyright 2013 © 2014 مجرة الكتب